قلب سلفي أثري , وقلب تكفيري تفجيري , متضادان لا يجتمعان

بسم الله الرحمن الرحيم

قلب سلفي أثري , وقلب تكفيري تفجيري , متضادان لا يجتمعان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

إن المتأمل والناظر فيما يحصل في هذا الزمان من الفتن والمصائب , وما نطالعه ونقرأه اليوم في شبكة " الإنترنت " والصحف والمجلات , وما نسمعه ونشاهده في الإذاعات والفضائيات , التي تبث سمومها وشرها ليلاً ونهاراً في بلاد المسلمين , ولما لهذه الوسائل من تأثير كبير على العقول وخاصة الشباب , فقد حرص أعداء الأمة على استغلالها وبث الفرقة والشر ولبس الحق بالباطل .
وللأسف الشديد لاقت رواجاً وقبولاً لدى فئة من الشباب اللامسئول , فأخذوا على عاتقهم إثارة الفتن والقلاقل من تكفير وتفجير في بلاد المسلمين وغيرها , واندسوا تحت شعار السلفية , وأخرى تدّعي الانتماء إلى أهل السنة والجماعة , وأخرى إلى السلفية الجهادية , وأخرى إلى السلفية الثورية , وأخرى إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال , وهذه كلها شعارات برّاقة ما أنزل الله بها من سلطان , وهي أسماء لا يعرفها الإسلام , ولا يقرها الشرع , فهي أسماء محدثة غير شرعية , ولا يعرفها السلف , فليس لهم فيها إلا الاسم , وانتسابهم إلى السلفية تشويه للسلفية وتنفيراً من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة .

وأصحابها لا علاقة لهم بالعلم الشرعي , ولا يُعرف لهم شيخ , وإنما انتحلوا هذه الشعارات حتى يُلْبسوا على الشباب باسم الجهاد في سبيل الله .

والجهاد الشرعي حتى يكون في سبيل الله له شروطه وضوابطه الذي منها : إذن ولي الأمر , والإعداد الإيماني والمادي , ورجحان المصلحة على المفسدة والذي يقررها ولاة الأمور والعلماء , وليس آحاد الناس , فالجهاد موكول لولاة الأمور , كما قرر ذلك العلماء الربانيون .
فهذه التفجيرات التي حدثت في أندونيسيا والسعودية والمغرب والأردن ومصر والعراق , وفي غيرها من البلاد , والتي سببت في قتل المئات من الأنفس البريئة بدون ذنب , هل هذا من الجهاد في سبيل الله ؟ لا والله !

فهؤلاء حدثاء الأسنان حرّفوا معنى الجهاد الذي رفعوا رايته , فجعلوه حرباً على المسلمين وسيفاً مُسلطاً على رقاب الأبرياء , وصورة مُشوهة للإسلام والمسلمين , وفي ذلك يقول فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد _ حفظه الله _ : " وبأي عقل ودين يكون جهاداً قتل النفس , وتقتيل المسلمين والمعاهدين , وترويع الآمنين , وترميل النساء وتيتيم الأطفال , وتدمير المباني على مَنْ فيها " { ويْحكم … أفيقوا يا شباب ص 16 } .

وهؤلاء حاولوا أن يوفقوا بين الحق _ بالأسماء _ والباطل _ بالأقوال والأفعال _ قال تعالى _ : " مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ " وقال تعالى : " مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ " وقال تعالى : " قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ " .

وعن مبشر بن إسماعيل الحلبي قال : قيل للأوزاعي إن رجلاً يقول : أنا أجالس أهل السنة وأهل البدعة , فقال الأوزاعي : هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل " { الإبانة 2/456 } .
وهكذا الفرقة التكفيرية الخارجية التفجيرية تريد أن تساوي حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام بالعلماء الربانيين , تريد أن تساوي بينهما وبين سلفية الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة , ظناً منهم أن المسلمين في غفلة , لا دين عندهم ولا عقل , إذ بسبب عدم الإدراك من الكثيرين تخلل صفوف العلماء مَنْ ليس منهم : أمثال سفر الحوالي , وسلمان العودة , وعائض القرني , فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الآن مرارتها وسلبياتها , وأصبح بعض الشباب يظن أن هؤلاء التكفيريين التفجيريين هم العلماء , ولذا يقومون بنشر كتبهم وأشرطتهم , وترويج أفكارهم المنحرفة باسم علماء السنة _ زعموا _ والسنة بريئة منهم .

قال الحافظ ابن رجب _ رحمه الله _ : " وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض مَنْ توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم , فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل مَنْ تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله " ويقول " وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا , وظنوا أن مَنْ كثر كلامه وجلاله وخصامه في مسائل الدين فهؤلاء أعلم ممن ليس كذلك " { فضل علم السلف على علم الخلف ص 38- 40 } .

وفي ذلك يقول ابن مسعود _ رضي الله عنه _ : " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم , وعن أمنائهم وعلمائهم , فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا " { إسناده صحيح أخرجه ابن عبد البر في بيان جامع العلم وفضله 1/616 } وروى الخطيب البغدادي _ رحمه الله _ بسنده عن ابن قتيبة _ رحمه الله _ أنه سُئل عن معنى هذا الأثر فأجاب : " يريد : لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ , ولم يكن علماؤهم الأحداث " ويعلل هذا التفسير فيقول : " لأن الشيخ زالت عنه متعة الشباب , وحدته , وعجلته , وسفهه , واستصحب التجربة والخبرة , فلا يدخل عليه في علمه شبهة ولا يغلب عليه الهوى , ولا يميل به الطمع , ولا يستزله الشيطان استزال الحدث , ومع السن الجلالة والوقار والهيـبة , والحـدث قـد تـدخل علـيه هذه الأمـور التـي أمنـت علـى الشيخ , فـإذا دخلت عليه وأفتى هلـك وأهـلك " { نصيحة أهل الحديث ص 93 } .

ألا عقل الشباب التكفيري التفجيري نصائح العلماء الربانيين كأمثال الإمام ابن باز , والمحدث الألباني , والعلامة ابن عثيمين , والشيخ ربيع , والشيخ مقبل , عندما نصحوا شباب الجزائر ( الجماعة السلفية للدعوة والقتال ) بعدم الخروج على ولي الأمر , وكم من عالم وفقيه بصير بعواقب الأمور , وكم من حكيم صادق مخلص حذروهم من سوء التصرف اللامسئول .

ماذا كان ردهم : هؤلاء مداهنون علماء سلطة , لا يفقهون الواقع , علماء حيض ونفاس , عملاء مثبطون عن الجهاد , وهذا من شعار أهل البدع .

قال أبو حاتم الرازي _ رحمه الله _ : " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر " { اللالكائي 1/179 } .
وقــال قتيـبـة بـن سـعيـد : " إذا رأيـــت الرجـل يحـب أهـل الحديــث فــإنـه علــى سنـة , ومــن خـالـف هذا فاعلـم أنه مبتدع " { مقدمة شعار أهل الحديث ص 7 } .

فهؤلاء الشباب الذين انغمسوا في فتنتي التكفير والتفجير , ماذا قدموا للإسلام والمسلمين بأفعالهم هذه ؟ وعلى الشباب أن يُدركوا , أن هذه التفجيرات وأشباهها تؤدي وتساعد على الخلط بين المفهوم الشرعي للجهاد وبين الفوضى , ولعل المسلمين الذين يعيشون في البلاد الغربية قد شعروا بذلك وتعرضوا لمشكلات كثيرة , وفُتنوا في دينهم بعد حوادث التفجير , وعليهم أن يدركوا أنهم بهذه العمليات التفجيرية أعطوا أمريكا وحلفاءها لاحتلال بلاد المسلمين , وإلى اعتقال المئات من المسلمين في أمريكا وغيرها من البلاد , وما حوادث الشيشان وأفغانستان عنا ببعيدة .

قال الإمام ابن حزم _ رحمه الله _ : " فاعلموا رحمكم الله _ أن جميع فرق الضلالة لم يُجرِ الله _ تعالى _ قط على أيديهم خيراً , ولا فتح من بلاد الكفر قرية , ولا رفع للإسلام راية , وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين , ويفرقوا كلمة المؤمنين , ويسلّون السيف على أهل الدين , ويسعون في الأرض مفسدين { الفِصَل 5/98 } .

وهذه التفجيرات من الإفساد في الأرض التي لا تُفرق بين المسلم والكافر والمعاهد والذمي , والصغير والكبير , والمرأة والعجوز .

قال تعالى : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً " وقال تعالى : " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً " { أخرجه البخاري } .

وعنه صلـى الله عليـه وسلـم قـال : من قتـل نفسـاً معاهـداً لـم يـرح رائـحة الجنـة وإن ريحـها توجـد مـن مسيـرة أربعـين عـامـاً " { أخرجه البخاري } .

وعنه صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً " { أخرجه النسائي بإسناد صحيح } .

وهؤلاء التكفيريون التفجيريون لجأوا لهذه الأعمال التفجيرية والمظاهرات والمسيرات اتباعاً لزعمائهم وبدون علم وفقه , ولو رجعوا لأهل العلم ما سلكوا هذا المنهج الخطير .

قال تعالى : " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ".

وعــن ابــن عـبـاس _ رضـي الله عنهمــا _ : أن رسـول الله صلـى الله عـلـيه وسـلـم قــال : " الــبـــركـة مـــع أكــــابـــركــــم " { أخرجه ابن حبان والحاكم بسند صحيح } .
قال المناوي _ رحمه الله _ شارحاً " البركة مع أكابركم , المجربين للأمور , المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم " { فيض القدير 3/220 } .

وأمام هذه الفتن التي ما زلنا نعاني منها عليك _ أخي _ بالعلم وأهله ودعاته وحملته , وإلا وجدت نفسك _ بلا وعي ولا شعور _ تكفيرياً , خارجياً , تفجيرياً , وإياك أن تنخدع بالشعارات الزائفة التي تنتسب كذباً وزوراً إلى السلفية .

قال الشيخ صالح الفوزان _ حفظه الله _ : " فالسلفية طائفة على مذهب السلف على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وهي ليست حزباً من الأحزاب العصرية الآن , إنما هي جماعة قديمة أثرية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم متوارثة مستمرة لا تزال على الحق ظاهرة إلى قيام الساعة كما أخبر صلى الله عليه وسلم { محاضرة بعنوان التحذير من البدع } .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
الشيخ سمير المبحوح 21/ربيع الآخر/1427 هـ